السحر واليهود
قال سبحانه: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}. (البقرة: 102)
حتى في عهد النبوة كان اليهود يتعاملون بالسحر والشعوذة، عَنِ ابْنِ أَخِي زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ زَيْنَبَ، امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِنَّ الرُّقَى، وَالتَّمَائِمَ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ». قَالَتْ: قُلْتُ: (لِمَ تَقُولُ هَذَا؟! وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تَقْذِفُ، وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ يَرْقِينِي، فَإِذَا رَقَانِي سَكَنَتْ)، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: (إِنَّمَا ذَاكَ عَمَلُ الشَّيْطَانِ، كَانَ يَنْخُسُهَا بِيَدِهِ، فَإِذَا رَقَاهَا =اليهودي= كَفَّ عَنْهَا، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا»). سنن أبي داود (3883)
أنواع السحر
[والسحر على قسمين:
القسم الأول:
سحر حقيقي: وهو ما يؤثر في بدن المسحور فيمرضه أو يؤثر على عقله أو يقتله، فهذا عمل شيطاني.
القسم الثاني:
سحر تخييلي، قال الله تعالى: {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى}. (طه: 66)، وهو ما يسمى: القمرة، فيعملون شيئاً على أعين الناس، وهو ليس له حقيقة، فيظهر منه أن يضرب نفسه بالسيف، وأنه يأكل المسامير أو النار أو الزجاج، أو يدخل في النار، أو أن السيارة تمشي عليه، أو ينام على مسامير، أو يجر السيارة بشعره، أو يأتي بأوراق عادية، ويروج على الناس أنها نقود، وإذا ذهب سرحه عادت الأوراق إلى أصلها، كما يحصل من النشالين. ومن أعمال السحرة أيضاً: أن يأتي أحدهم بجُعْلٍ، وهي الحشرة المعروفة، ويُظهر بسحره أمام الناس أنها خروف، وكذلك فهم يروجون على الناس أنهم يمشون على خيط دقيق، وهو ما يسمى السرك، أو ما يسمى بالبهلوان.
فهذا كلُّه كذبٌ وتدجيلٌ على الناس، وسِحرٌ لأعينِ الناس، وهو سحرٌ تخييليٌّ، إذا ذهب هذا السحرُ عادت الأمورُ كما هي، فيجبُ علينا أن لا نغترَّ بهم، ولا نصدقهم، ولا نمكنهم من أولادنا، ولا بلادنا من أجل ترويج سحرهم]. التعليقات المختصرة على متن العقيدة الطحاوية (ص: 249).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: [قَدْ ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ أَنَّ أَنْوَاعَ السِّحْرِ ثَمَانِيَةً:
الْأَوَّلُ:
سِحْرُ الكلُدْانيين والكُشْدانيين، الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ الْمُتَحَيِّرَةَ، وَهِيَ السَّيَّارَةُ، وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا مُدَبّرة الْعَالَمِ وَأَنَّهَا تَأْتِي بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَهُمُ الَّذِينَ بَعث إِلَيْهِمْ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبْطِلًا لِمَقَالَتِهِمْ وَرَادًّا لِمَذْهَبِهِمْ...
النَّوْعُ الثَّانِي:
سِحْرُ أَصْحَابِ الْأَوْهَامِ وَالنُّفُوسِ الْقَوِيَّةِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَهْمَ لَهُ تَأْثِيرٌ، بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى الْجِسْرِ الْمَوْضُوعِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مَمْدُودًا عَلَى نَهَرٍ أَوْ نَحْوَهُ...
وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِصَابَةَ بِالْعَيْنِ حَقٌّ... ويَسْتَدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
"الْعَيْنُ حَقّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرِ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ"...
النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنَ السِّحْرِ:
الِاسْتِعَانَةُ بِالْأَرْوَاحِ الْأَرْضِيَّةِ، وَهُمُ الْجِنُّ، خِلَافًا لِلْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ: وَهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ: مُؤْمِنُونَ، وَكُفَّارٌ، وَهُمُ الشياطينُ... وَاتِّصَالُ النُّفُوسِ النَّاطِقَةِ بِهَا أَسْهَلُ مِنَ اتِّصَالَهَا بِالْأَرْوَاحِ السَّمَاوِيَّةِ، لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُنَاسَبَةِ وَالْقُرْبِ، ثُمَّ إِنَّ أَصْحَابَ الصَّنْعَةِ وَأَرْبَابَ التَّجْرِبَةِ شَاهَدُوا أَنَّ الِاتِّصَالَ بِهَذِهِ الْأَرْوَاحِ الْأَرْضِيَّةِ يَحْصُلُ بِأَعْمَالٍ سَهْلَةٍ قَلِيلَةٍ مِنَ الرُّقَى وَالدَّخَلِ وَالتَّجْرِيدِ. وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْعَزَائِمِ وَعَمَلِ التَّسْخِيرِ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنَ السِّحْرِ:
التَّخَيُّلَاتُ، وَالْأَخْذُ بِالْعُيُونِ وَالشَّعْبَذَةُ، وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْبَصَرَ قَدْ يُخْطِئُ، وَيَشْتَغِلُ بِالشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ دُونَ غَيْرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشَعْبِذَ الْحَاذِقَ يُظْهِرُ عَمَلَ شَيْءٍ يُذْهِلُ أَذْهَانَ النَّاظِرِينَ بِهِ، وَيَأْخُذُ عُيُونَهُمْ إِلَيْهِ، حَتَّى إِذَا اسْتَفْرَغَهُمُ الشُّغْلُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ بِالتَّحْدِيقِ وَنَحْوِهِ، عَمِلَ شَيْئًا آخَرَ عَمَلا بِسُرْعَةٍ شَدِيدَةٍ، وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ لَهُمْ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرَ مَا انْتَظَرُوهُ. فيتعجَّبون مِنْهُ جِدًّا، وَلَوْ أَنَّهُ سَكَتَ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَا صْرِفُ الْخَوَاطِرَ إِلَى ضِدِّ مَا يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَهُ، وَلَمْ تَتَحَرَّكِ النُّفُوسُ وَالْأَوْهَامُ إِلَى غَيْرِ مَا يُرِيدُ إِخْرَاجَهُ، لَفَطِنَ النَّاظِرُونَ لِكُلِّ مَا يَفْعَلُهُ.
... وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ سِحْرَ السَّحَرَةِ بَيْنَ يَدَيْ فِرْعَوْنَ إِنَّمَا كَانَ مِنْ بَابِ الشَّعْبَذَةِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}. (الْأَعْرَافِ: 116)، وَقَالَ تَعَالَى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}. (طَهَ: 66)، قَالُوا: وَلَمْ تَكُنْ تَسْعَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
النَّوْعُ الْخَامِسُ مِنَ السِّحْرِ:
الْأَعْمَالُ الْعَجِيبَةُ التِي تَظْهَرُ مِنْ تَرْكِيبِ الْآلَاتِ الْمُرَكَّبَةِ مِنَ النِّسَبِ الْهَنْدَسِيَّةِ، كَفَارِسٍ عَلَى فَرَسٍ فِي يَدِهِ بُوقٌ، كُلَّمَا مَضَتْ سَاعَةٌ مِنَ النَّهَارِ ضَرَبَ بِالْبُوقِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّهُ أَحَدٌ. وَمِنْهَا الصُّوَرُ التِي تُصَوِّرها الرومُ وَالْهِنْدُ، حَتَّى لَا يُفَرِّقَ النَّاظِرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِنْسَانِ، حَتَّى يُصَوِّرُونَهَا ضَاحِكَةً وَبَاكِيَةً.
إِلَى أَنْ قَالَ: فَهَذِهِ الْوُجُوهُ مِنْ لَطِيفِ أُمُورِ الْمَخَايِيلِ. قَالَ: وَكَانَ سِحْرُ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
قُلْتُ: يَعْنِي مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّهُمْ عَمَدُوا إِلَى تِلْكَ الْحِبَالِ وَالْعِصِيِّ، فَحَشَوْهَا زِئْبَقًا فَصَارَتْ تَتَلَوَّى بِسَبَبِ مَا فِيهَا مِنْ ذَلِكَ الزِّئْبَقِ، فَيُخَيَّلُ إِلَى الرَّائِي أَنَّهَا تَسْعَى بِاخْتِيَارِهَا.
قَالَ الرَّازِيُّ: وَمِنْ هَذَا الْبَابِ تَرْكِيبُ صُنْدُوقِ السَّاعَاتِ، وَيَنْدَرِجُ فِي هَذَا الْبَابِ عِلْمُ جَرِّ الْأَثْقَالِ بِالْآلَاتِ الْخَفِيفَةِ.
قَالَ: وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ مِنْ بَابِ السِّحْرِ؛ لِأَنَّ لَهَا أَسْبَابًا مَعْلُومَةً يَقِينِيَّةً مَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهَا قَدَرَ عَلَيْهَا.
قُلْتُ =ابن كثير=: وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حِيَلُ النَّصَارَى عَلَى عَامَّتِهِمْ، بِمَا يُرُونَهم إِيَّاهُ مِنَ الْأَنْوَارِ، كَقَضِيَّةِ قُمَامة الْكَنِيسَةِ التِي لَهُمْ بِبَلَدِ الْمَقْدِسِ، وَمَا يَحْتَالُونَ بِهِ مِنْ إِدْخَالِ النَّارِ خِفْيَةً إِلَى الْكَنِيسَةِ، وَإِشْعَالِ ذَلِكَ الْقِنْدِيلِ بِصَنْعَةٍ لَطِيفَةٍ تَرُوجُ عَلَى الْعَوَامِّ مِنْهُمْ وَأَمَّا الْخَوَاصُّ فَهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ يَتَأَوَّلُونَ أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ شَمْلَ أَصْحَابِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ، فَيَرَوْنَ ذَلِكَ سَائِغًا لَهُمْ...
ثُمَّ ذكر ههنا حِكَايَةً عَنْ بَعْضِ الرُّهْبَانِ، وَهُوَ أَنَّهُ سَمِعَ صَوْتَ طَائِرٍ حَزِينِ الصَّوْتِ ضَعِيفِ الْحَرَكَةِ، فَإِذَا سَمِعَتْهُ الطُّيُورُ تَرِقّ لَهُ فَتَذْهَبُ فَتُلْقِي فِي وَكْره مِنْ ثَمَرِ الزَّيْتُونِ، لِيَتَبَلَّغَ بِهِ، فعَمَد هَذَا الراهبُ إِلَى صَنْعَةِ طَائِرٍ عَلَى شَكْلِهِ، وَتَوَصَّلَ إِلَى أَنْ جَعَلَهُ أَجْوَفَ، فَإِذَا دَخَلَتْهُ الرِّيحُ يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ كَصَوْتِ ذَلِكَ الطَّائِرِ، وَانْقَطَعَ فِي صَوْمَعَةٍ ابْتَنَاهَا، وَزَعَمَ أَنَّهَا عَلَى قَبْرِ بَعْضِ صَالِحِيهِمْ، وَعَلَّقَ ذَلِكَ الطَّائِرَ فِي مَكَانٍ مِنْهَا، فَإِذَا كَانَ زَمَانُ الزَّيْتُونِ فَتَحَ بَابًا مِنْ نَاحِيَةٍ، فَتَدْخُلُ الرِّيحُ إِلَى دَاخِلِ هَذِهِ الصُّورَةِ، فَيُسْمَعُ صَوْتُهَا كَذَلِكَ الطَّائِرُ فِي شَكْلِهِ أَيْضًا، فَتَأْتِي الطُّيُورُ فَتَحْمِلُ مِنَ الزَّيْتُونِ شَيْئًا كَثِيرًا فَلَا تَرَى النَّصَارَى إِلَّا ذَلِكَ الزَّيْتُونَ فِي هَذِهِ الصَّوْمَعَةِ، وَلَا يَدْرُونَ مَا سَبَبُهُ؟ فَفَتَنَهُمْ بِذَلِكَ، وَأَوْهَمَ أَنَّ هَذَا مِنْ كَرَامَاتِ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ، عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ الْمُتَتَابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَالَ الرَّازِيُّ: النَّوْعُ السَّادِسُ مِنَ السِّحْرِ:
الِاسْتِعَانَةُ بِخَوَاصِّ الْأَدْوِيَةِ يَعْنِي فِي الْأَطْعِمَةِ وَالدِّهَانَاتِ. قَالَ: وَاعْلَمْ أَنْ لَا سَبِيلَ إِلَى إِنْكَارِ الْخَوَاصِّ، فَإِنَّ أَثَرَ الْمِغْنَاطِيسِ مُشَاهَدٌ.
قُلْتُ =ابن كثير=: يَدْخُلُ فِي هَذَا الْقَبِيلِ كَثِيرٌ مِمَّنْ يَدّعي الْفَقْرَ، وَيَتَحَيَّلُ عَلَى جَهَلَةِ النَّاسِ بِهَذِهِ الْخَوَاصِّ، مُدَّعِيًا أَنَّهَا أَحْوَالٌ لَهُ مِنْ مُخَالَطَةِ النِّيرَانِ، وَمَسْكِ الْحَيَّاتِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُحَالَاتِ.
قَالَ: النَّوْعُ السَّابِعُ مِنَ السِّحْرِ:
تَعْلِيقُ الْقَلْبِ، وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ الساحرُ أَنَّهُ عَرَفَ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ، وَأَنَّ الْجِنَّ يُطِيعُونَهُ وَيَنْقَادُونَ لَهُ فِي أَكْثَرِ الْأُمُورِ، فَإِذَا اتَّفَقَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ السَّامِعُ لِذَلِكَ ضَعِيفَ الْعَقْلِ، قَلِيلَ التَّمْيِيزِ؛ اعْتَقَدَ أَنَّهُ حَقٌّ، وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِذَلِكَ، وَحَصَلَ فِي نَفْسِهِ نَوْعٌ مِنَ الرَّهَبِ وَالْمَخَافَةِ، فَإِذَا حَصَلَ الْخَوْفُ ضَعُفَتِ الْقُوَى الْحَسَّاسَةُ، فَحِينَئِذٍ يَتَمَكَّنُ السَّاحِرُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ.
قُلْتُ =ابن كثير=: هَذَا النَّمَطُ يُقَالُ لَهُ: (التَّنْبَلَةُ)، وَإِنَّمَا يَرُوجُ عَلَى الضُّعَفَاءِ الْعُقُولِ مِنْ بَنِي آدَمَ.
وَفِي عِلْمِ الْفِرَاسَةِ مَا يُرْشِدُ إِلَى مَعْرِفَةِ كَامِلِ الْعَقْلِ مِنْ نَاقِصِهِ، فَإِذَا كَانَ المُتَنْبِلُ حَاذِقًا فِي عِلْمِ الْفِرَاسَةِ؛ عَرَفَ مَنْ يَنْقَادُ لَهُ مِنَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِهِ.
قَالَ: النَّوْعُ الثَّامِنُ مِنَ السِّحْرِ:
السَّعْيُ بِالنَّمِيمَةِ، وَالتَّضْرِيبِ مِنْ وُجُوهٍ خفيفة لطيفة، وذلك شائع في الناس.
قُلْتُ =ابن كثير=: النَّمِيمَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ، تَارَةً تَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيشِ بَيْنَ النَّاسِ، وَتَفْرِيقِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، فَهَذَا حَرَامٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، وَائْتِلَافِ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
"لَيْسَ بِالْكَذَّابِ مَنْ يَنمّ خَيْرًا" أَوْ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَّخْذِيلِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ جُمُوعِ الْكَفَرَةِ" فَهَذَا أَمْرٌ مَطْلُوبٌ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
"الْحَرْبُ خُدْعَةٌ". وَكَمَا فَعَلَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ كَلِمَةِ الْأَحْزَابِ وَبَيْنَ قُرَيْظَةَ، وَجَاءَ إِلَى هَؤُلَاءِ فَنَمَى إِلَيْهِمْ عَنْ هَؤُلَاءِ كَلَامًا، وَنَقَلَ مِنْ هَؤُلَاءِ إِلَى أُولَئِكَ شَيْئًا آخَرَ، ثُمَّ لَأَمَ بَيْنَ ذَلِكَ، فَتَنَاكَرَتِ النُّفُوسُ وَافْتَرَقَتْ. وَإِنَّمَا يَحْذُو عَلَى مِثْلِ هَذَا الذَّكَاءُ وَالْبَصِيرَةُ النَّافِذَةُ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
ثُمَّ قَالَ الرَّازِيُّ: فَهَذِهِ جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي أَقْسَامِ السِّحْرِ وَشَرْحِ أَنْوَاعِهِ وَأَصْنَافِهِ.
قُلْتُ =ابن كثير=: وَإِنَّمَا أَدْخَلَ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ فِي فَنّ السِّحْرِ، لِلَطَافَةِ مَدَارِكِهَا؛ لِأَنَّ السِّحْرَ فِي اللُّغَةِ: عِبَارَةٌ عَمَّا لطُف وَخَفِيَ سَبَبُهُ. وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
"إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا". وَسُمِّيَ السُّحُورُ لِكَوْنِهِ يَقَعُ خَفِيًّا آخَرَ اللَّيْلِ، والسَّحْر: الرِّئَةُ، وَهِيَ مَحَلُّ الْغِذَاءِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِخَفَائِهَا، وَلُطْفِ مَجَارِيهَا إِلَى أَجْزَاءِ الْبَدَنِ وَغُضُونِهِ، كَمَا قَالَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ لِعُتْبَةَ: (انْتَفَخَ سَحْرُكُ) أَيِ: انْتَفَخَتْ رِئَتُهُ مِنَ الْخَوْفِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (تُوُفِّيَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَحْري ونَحْري). وَقَالَ: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} أَيْ: أَخْفَوْا عَنْهُمْ عَمَلَهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْوَزِيرُ أَبُو الْمُظَفَّرِ يَحْيَى بْنُ هَبيرة بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ هُبَيْرَةَ فِي كِتَابِهِ: "الْإِشْرَافُ عَلَى مَذَاهِبِ الْأَشْرَافِ" بَابًا فِي السِّحْرِ، فَقَالَ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ السِّحْرَ لَهُ حَقِيقَةٌ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا حَقِيقَةَ لَهُ عِنْدَهُ. ....] تفسير ابن كثير تحقيق سلامة (1/ 367- 371)
حقيقة السحر في الكتاب والسنة وعند السلف
وحكم السحر
ولولا أن للسحر حقيقةً ما ذكره الله جل جلاله في كتابه، فقد أمرنا بالاستعاذة منه، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ* مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ* وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ* وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ}.
[يَعْنِي السَّوَاحِرَ اللَّاتِي يَعْقِدْنَ فِي سِحْرِهِنَّ، وَيَنْفُثْنَ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا أَنَّ السِّحْرَ لَهُ حَقِيقَةٌ، لَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} (البقرة: 102). إلَى قَوْلِهِ: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} (البقرة: 102). =وذكر حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في سحر النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه= الْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ. .. فَقَدْ أَثْبَتَ لَهُمْ سِحْرًا.
وَقَدْ اُشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ وُجُودُ عَقْدِ الرَّجُلِ عَنْ امْرَأَتِهِ حِينَ يَتَزَوَّجُهَا فَلَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِهَا، وَحَلُّ عَقْدِهِ، فَيَقْدِرُ عَلَيْهَا بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْهَا، حَتَّى صَارَ مُتَوَاتِرًا لَا يُمْكِنُ جَحْدُهُ.
وَرُوِيَ مِنْ أَخْبَارِ السَّحَرَةِ مَا لَا يَكَادُ يُمْكِنُ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكَذِبِ فِيهِ. =أما قولهم: إن كان للسحر حقيقة فستبطل معجزات الأنبياء، فقد رده ابن قدامه فقال:=
وَأَمَّا إبْطَالُ الْمُعْجِزَاتِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُ مَا يَأْتِي بِهِ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى أَنْ تَسْعَى الْعِصِيُّ وَالْحِبَالُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ وَتَعْلِيمَهُ حَرَامٌ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: (وَيُكَفَّرُ السَّاحِرُ بِتَعَلُّمِهِ وَفِعْلِهِ، سَوَاءٌ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ أَوْ إبَاحَتَهُ).
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ، فَإِنَّ حَنْبَلًا رُوِيَ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ عَمِّي =أي أحمد بن حنبل= فِي الْعَرَّافِ وَالْكَاهِنِ وَالسَّاحِرِ: (أَرَى أَنْ يُسْتَتَابَ مِنْ هَذِهِ الْأَفَاعِيلِ كُلِّهَا، فَإِنَّهُ عِنْدِي فِي مَعْنَى الْمُرْتَدِّ، فَإِنْ تَابَ وَرَاجَعَ يَعْنِي يُخَلَّى سَبِيلُهُ). قُلْت لَهُ: (يُقْتَلُ؟) قَالَ: (لَا! يُحْبَسُ، لَعَلَّهُ يَرْجِعُ). قُلْت لَهُ: (لِمَ لَا تَقْتُلُهُ؟) قَالَ: (إذَا كَانَ يُصَلِّي، لَعَلَّهُ يَتُوبُ وَيَرْجِعُ). وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُكَفِّرْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَفَّرَهُ لَقَتَلَهُ. وَقَوْلُهُ: (فِي مَعْنَى الْمُرْتَدِّ). يَعْنِي الِاسْتِتَابَةَ. وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: (إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ تَفْعَلُ لَهُ مَا يَشَاءُ؛ كُفِّرَ، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ تَخْيِيلٌ؛ لَمْ يُكَفَّرْ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: (إنْ اعْتَقَدَ مَا يُوجِبُ الْكُفْرَ، مِثْلَ التَّقَرُّبِ إلَى الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ، وَأَنَّهَا تَفْعَلُ مَا يَلْتَمِسُ، أَوْ اعْتَقَدَ حِلَّ السِّحْرِ، كُفِّرَ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَطَقَ بِتَحْرِيمِهِ، وَثَبَتَ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فُسِّقَ وَلَمْ يُكَفَّرْ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- بَاعَتْ مُدَبَّرَةً لَهَا سَحَرَتْهَا، بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَلَوْ كُفِّرَتْ لَصَارَتْ مُرْتَدَّةً يَجِبُ قَتْلُهَا، وَلَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهَا، وَلِأَنَّهُ شَيْءٌ يَضُرُّ بِالنَّاسِ، فَلَمْ يُكَفَّرْ بِمُجَرَّدِهِ كَأَذَاهُمْ). وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} (البقرة: 102). إلَى قَوْلِهِ: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} (البقرة: 102). أَيْ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ، أَيْ وَمَا كَانَ سَاحِرًا كَفَرَ بِسِحْرِهِ.
وَقَوْلُهُمَا: إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ. أَيْ لَا تَتَعَلَّمْهُ فَتَكْفُرَ بِذَلِكَ، ...]. المغني لابن قدامة (9/ 29- 30).
حادثة سحر النبي صلى الله عليه وسلم
وردت هذه الحادثة في صحيح البخاري وغيره عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ، يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ عِنْدِي، لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا، ثُمَّ قَالَ:
"يَا عَائِشَةُ! أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، أَتَانِي رَجُلاَنِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: (مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟) فَقَالَ: (مَطْبُوبٌ)، قَالَ: (مَنْ طَبَّهُ؟) قَالَ: (لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ)، قَالَ: (فِي أَيِّ شَيْءٍ؟) قَالَ: (فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ). قَالَ: (وَأَيْنَ هُوَ؟) قَالَ: (فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ)" فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ فَقَالَ:
«يَا عَائِشَةُ! كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، أَوْ كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ» قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَلاَ اسْتَخْرَجْتَهُ؟) قَالَ:
«قَدْ عَافَانِي اللَّهُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا». فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ...
«فِي مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ»، يُقَالُ: المُشَاطَةُ: مَا يَخْرُجُ مِنَ الشَّعَرِ إِذَا مُشِطَ، وَالمُشَاقَةُ: مِنْ مُشَاقَةِ الكَتَّانِ. صحيح البخاري (5763)
حادثة سحر عائشة رضي الله تعالى عنها
عَنْ عَمْرَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَصَابَهَا مَرَضٌ وَأَنَّ بَعْضَ بَنِي أَخِيهَا ذَكَرُوا شَكْوَاهَا لِرَجُلٍ مِنَ الزُّطِّ يَتَطَبَّبُ، وَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: إِنَّهُمْ لَيَذْكُرُونَ امْرَأَةً مَسْحُورَةً سَحَرَتْهَا جَارِيَةٌ فِي حِجْرِهَا صَبِيٌّ، فِي حِجْرِ الْجَارِيَةِ الْآنَ صَبِيٌّ قَدْ بَالَ فِي حِجْرِهَا فَقَالَ: (إِيتُونِي بِهَا). فَأُتِيَ بِهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ: (سَحَرْتِينِي؟) قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَتْ: (لِمَ؟) قَالَتْ: (أَرَدْتُ أَنْ أُعْتَقَ)، وَكَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَدْ أَعْتَقْتَهَا عَنْ دُبُرٍ مِنْهَا فَقَالَتْ: (إِنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا تُعْتَقِينَ أَبَدًا، انْظُرُوا شَرَّ الْبُيُوتِ مَلَكَةً، =أخلاقا ومعاملة= فَبِيعُوهَا مِنْهُمْ، ثُمَّ اشْتَرُوا بِثَمَنِهَا رَقَبَةً فَأَعْتِقُوهَا), المستدرك على الصحيحين للحاكم (4/ 244، رقم 7516) وقال: [هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ]، وصححه الألباني في إرواء الغليل (6/ 177، رقم 1757).
وتعرضت حفصة رضي الله تعالى عنها للسحر؛ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ جَارِيَةً لِحَفْصَةَ سَحَرَتْهَا, وَاعْتَرَفَتْ بِذَلِكَ فَأَمَرَتْ بِهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدٍ فَقَتَلَهَا , فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا عُثْمَانُ» , فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «مَا تُنْكِرُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ امْرَأَةٍ سَحَرَتْ وَاعْتَرَفَتْ» فَسَكَتَ عُثْمَانُ. مصنف عبد الرزاق الصنعاني (10/ 180، رقم 18747).
جندب بن كعب يكشف ساحرا ويقتله
جاء في تاريخ الإسلام للذهبي أن [أبا زبيدٍ الطائي النَّصْرانيّ، قَالَ: وجاء ساحرٌ من أَهْل بابل، فأخذ يُريهم حبلًا فِي المسجد مستطيلًا، وعليه فيلٌ يمشي، وناقةٌ تخبّ، =أي تسرع في مشيها= والناس يتعجَّبون، ثُمَّ يُريهم حبلًا يشتدّ حَتَّى يدخل فِي فِيهِ، فيخرج من دُبُرِه، ثُمَّ يضرب رأسَ رجلٍ فيقع ناحية، ثُمَّ يقول: (قُمْ!) فيقوم. فرأى جُنْدب بْن كَعب ذلك، فأخذ سيفًا وضرَبَ عُنُقَ السّاحر، وقال: (أحْيي نفْسك)، فأمر الْوَلِيد بقتله، فقام رجال من الأزد فمنعوه، وقالوا: (تقتله بعلْجٍ ساحر)، فسجنه..]. الذهبي في تاريخ الإسلام ت بشار (2/ 380).
وقال ابن سعد في طبقاته عن جندب كعب:
[وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ السَّاحِرَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ لَمَّا كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْكُوفَةِ حَضَرَ عِنْدَهُ سَاحِرٌ، فَكَانَ يَلْعَبُ بَيْنَ يَدَيِ الْوَلِيدِ؛ يُرِيَهُ أَنَّهُ يَقْتُلُ رَجُلا، ثُمَّ يُحْيِيهِ، وَيَدْخُلُ فِي فَمِ نَاقَةٍ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ حَيَائِهَا، فَأَخَذَ سَيْفًا مِنْ صَيْقَلٍ وَاشْتَمَلَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ السَّاحِرَ، فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَحْيِ نَفْسَكَ ثُمَّ قَرَأَ: {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}، فَرُفِعَ إِلَى الْوَلِيدِ، فَقَالَ =جندب بن كعب=: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
"حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ"، فَحَبَسَهُ الْوَلِيدُ، فَلَمَّا رَأَى السَّجَّانُ صَلاتَهُ وَصَوْمَهُ خَلَى سَبِيلَهُ، ...]. أسد الغابة ط العلمية (1/ 568)
قصة سِحْر جاريةٍ من جواري الحجاج
قابلة للتصديق والتكذيب