قصة سِحْر جاريةٍ من جواري الحجاج
قابلة للتصديق والتكذيب
ذكر ابن حجر في لسان الميزان: [عبد الله ابن هلال الكوفي الساحر، المعروف (بصديق إبليس)، كان في زمن بني أمية، قال أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر الهروي المعروف بشكر، في (كتاب العجائب) له حدثني محمد بن إدريس، سمعت محمد بن عصمة، وكان صاحب حديث يقول: سمعت شيخا من بغداد يقول: كان من أمرِ عبد الله ابن هلال أنه مَرَّ يوما في بعض أزقَّةِ الكوفة، وقد أهريق عسلٌ لرجلٍ، وقد اجتمع الصبيان يلعقونه، ويقولون: (أخزى الله إبليس). فقال لهم عبد الله ابن هلال: (لا تقولوا هكذا، وقولوا: جزى الله إبليس عنا خيرا، فأنه أراق العسل، حتى صرنا نلعقَه). قال: فجاء إبليس إلى عبد الله ابن هلال، فقال له: (إن لك عندي يدًا؛ إذ نهيتَ الصبيان عن سبي، وأنا أكافئك عليها)، فدفع إليه خاتما، وقال: (كلُّ حاجةٍ تبدو لكَ مقضية). فكان إذا أراد شيئا تهيأ له في الحال.
وكان للحجاج جاريةٌ يحبُّها، فعمل رجل يومًا في قصرِ الحجاج، فنظرها فأحبها، فجاء إلى ابن هلال، وكان يخدمه، فشكا إليه حاله، فقال: (الليلة آتيك بها)، فجاءه لما جنَّ الليلُ والجاريةُ معه، فباتت عنده إلى الصباح، ثم صار يأتيه بها كلَّ ليلةٍ، فاصفرَّ لون الجارية؛ من الخوف والسهر، فشكت إلى الحجاج، فقالت: (إنه إذا نام الناس يأتيني آتٍ فيذهب بي إلى بيتِ فتىً شاب، فأكونُ فيه إلى الصبَاح، فإذا أصبحتُ أرى نفسي في القصر). قال: فأمر بطشت من خلوق، =أي من طيب وعطور=، فقال لها: (إذا وصلتِ بيتَ الرجل فلطخي بابه). ففعلت، وبعث الحرس، فأتوه بالرجل، فقال له الحجاج: (لك الأمان! فأخبرني بقضيتك)، فأخبره فطلب عبد الله ابن هلال، فقال: (يا عبد الله! تركت الدنيا وعاملتني بهذا!) ودعا بالسيف والنطع. قال: فأخرج عبد الله كُبة غزل، فأعطى طرفها الحجاج، وقال: (امسك هذا حتى أريك عجبا قبل أن تقتلني) ورمى الكبة إلى الهواء، وتعلق بالخيط فارتفع فلما صار في أعلى القصر؛ قال: (يأمر الأمير بشيء؟!) ثم ذهبَ، وقبض عليه الحجاج مرةً غيرَ هذه فسجنه، فقال لأهل السجن: (من شاء أن ينحدرَ معيَ إلى البصرة فليركب هذه السفينة)، وخطَّ مثلَ السفينة، فدخل معه فيها بعضهم، وامتنع آخرون، ونجا هو ومن معه.
... عبد الله ابن هلال =هذا= صديقُ إبليس؛ كان يتركُ لأجلِ إبليسَ صلاة العصر، وكانت حوائجه عنده مقضية، ...]. لسان الميزان (3/ 372- 373، رقم 1491).
الخاتمة
1- السحر منه ما هو حقيقة، ومنه ما هو خيال.
2- قد يخل في مسمى السحر لغة حسن البيان، وخفة اليد ونحوها.
3- السحر الحقيقي إن كان فيه كفر وشرك، ففاعله مشرك كافر، وإن كان بغير ذلك فلا يكفر لكن إن قتل به يقتل، وإن تسبب في إمراض أو جراحة ونحوها، أو إفساد مال ونحوه، فيعاقب العقوبة الرادعة بحسبه.
4- ليس كل مرض أو ألم أو صداع، أو شجار أو خصام أو طلاق، من السحر. وليس كل ما يخرق العادة سحر أو معجزة أو كرامة.
5- إذا أصيب الإنسان المسلم بمصيبة فليتوجه إلى الله جل جلاله ويدعوه لتفريجها ورفعها، وليعرض مصيبته على مختصٍّ، فإن كانت مرضا عرضها على طبيب، وإن كانت اجتماعية فليعرضها على أهل الإصلاح، وهكذا..
فإن تأكد أن مصيبته سببها سحرٌ، فليستعن بالله ويرقي نفسه، وليعرضها على العلماء، ومن له خبرة بذلك من أهل الخير والصلاح.
6- على المسلم أن يحذر السحرة والدجالين والمشعبذين، ونحوهم.
7- على المسلم أن يتوكل على الله في كل أموره، ولا بأس بأخذ الأسباب الشرعية. والتحصن بالأذكار والأدعية وآيات الرقية وغيرها من العلاجات المشروعة.
هذا والله تعالى أعلم