القوة السحرية الخارجية: عادة لا يكتفي سحرة الجن بما يمتلكونه من تحصينات داخلية، فهذه التحصينات أسحار تكبل خدام هذا الساحر، فهي أسحار معرضة للضعف بمرور الوقت، والزوال أمام هجمات الرقية والدعاء. لذلك فالتحصينات السحرية تحتاج إلى (تدريعات سحرية)، تحمي جسد الساحر من الخارج، فيتبدد أمامها تأثير الدعاء وكأن المريض لم يدعو قط، ليس عن عدم جدوى الدعاء، أو عدم نزول الإجابة، لكن الإجابة تؤثر في الشيطان تأثيرا ماديا حسيا بالنسبة له كجن، لا ندركه نحن كبشر. فنجد على سبيل المثال أن المريض يدعو الله أن يحرق الشيطان، فتنزل بالفعل نارا لتحرقه، لكنه لا يحترق، ويخرج من النار كأن لم تمسه على الإطلاق. وتفسير هذا أن الساحر متحصن بدروع سحرية مادية، من مواد جنية، وليست إنسية بكل تأكيد، فيختار موادًا وعناصر جنية، ذات خصائص حسية، تتحمل أي تأثيرات تنزل على جسم الشيطان، فلا يتأثر بما نزل عليه من عذاب.
وهذا ما يعرف باسم (سحر الخيمياء)، أي أنه سحر يعتمد على خصائص المعادن، والفلزات واللا فلزات، وأشباه الفلزات، لما تملكه من خصائص وقدرة على تحمل تأثيرات المواد المختلفة. والفلزات تميل لأن يكون لها بريق، لدنة، قابلة للطرق، وموصلة. ومن الفلزات المشهورة (الألومنيوم ، النحاس، الذهب، الحديد، الرصاص، الفضة، التيتانيوم، اليورانيوم، الزنك). بينما اللا فلزات بصفة عامة تكون هشه، أما اللا فلزات الصلبة فبدون بريق، وعازلة. ومنها (هيدروجين، كربون، نيتروجين، أكسجين، فلور، فسفور، كبريت، كلور، سيلينيوم، بروم، يود، أستاتين). (المصدر بتصرف) فالماس هو من الحجارة، ويصنف من اللا فلزات، لأنه يتكون من الكربون، فهو أصلب أنواع الحجارة، وصلابتة واقعية إلى حد القسوة. “وللألماس صفات فيزيائية كثيرة ولكن أشهرها الصلابة والقساوة فهو وحده من بين كل المواد على درجة قساوة 10\10 في سلم درجات (موس) العالمي للأحجار (أصلبها 10 – وأضعفها 0) ويعتبر الياقوت الثاني بعد الألماس برقم 9 يليهما الزمرد”. (المصدر) بينما الحديد أصلب أنواع المعادن، “الحديد في الأصل فضي اللون، إلا أنه يتأكسد في الهواء. ويعد الحديد أقوى الفلزات على الإطلاق وأكثرها أهمية للأغراض الهندسية شرط حمايته من الصدأ (أي التفاعل مع الأكسجين)”. (المصدر) وما يؤكد هذا قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) [الحديد: 25]. وقد جمع الله بين ذكر الفلزات واللا فلزات في قوله: (وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) [الإسراء: 49؛ 51].فجمع بين اللافلزات وهي (حِجَارَةً)، وبين الفلزات واقواها (حَدِيدًا).
وسحرة الجن لا تحتاج إلى كميات كبيرة من الفلزات لتدرع أنفهسا، ففي مقدرتهم تنمية المادة الجنية، وتضخيمها، حتى تصير كالجبال، وهذا ينطبق على أنفسهم كذلك، لذلك يكفي سحرة الجن أقل كمية من الفلزات، ثم يحولونها إلى جبال ضخمة في عالمهم، لذلك فإنهم يتدرعون بجبال من الماس، والحديد، والنحاس، وغير ذلك من الفلزات واللا فلزات، وهذا هو السر في عدم تأثير إجابة الدعاء فيهم، لأنهم يتدرعون ويتحصنون منها بأسحارهم. إذن فهناك قصور في أدوات المعالج العلاجية، وعليه أن يعدل من رقيته، سواء في أولويات الدعاء، أو في نوعيته.
لذلك تستفيد سحرة الجن من خصائص المادة في تدريع أجسامهم، لحماية أنفسهم، وحماية أسحارهم الداخلية وتحصيناتهم. تماما كما يتدرع المقاتلون من الإنس في الحروب، بملابس مضادة للنار، أو الرصاص، أو عوازل ضد المواد الكميائية والغازية. ولكن الفارق أن سحرة الجن تقرن هذه المواد الجنية بالأسحار، فتكتسب قوة مضاعفة، لذلك يجب على المعالج أن يتعامل معها بالدعاء المزدوج، على المادة الجنية، وعلى الأسحار المقترنة بها. فهذه الدروع السحرية وظيفتها دفاعية، لحماية الساحر وأعوانه، وليست وظيفتها هجومية، لذلك فقبل أن نقوم بمهاجمة السحرة، يجب علينا أولا أن نجردهم من دروعهم السحرية، حتى نجد تأثير الدعاء فيهم.
والقوة الخارجية لسحرة الجن لا تكمن فقط فيما يكسو أجسادهم من تدريعات سحرية، بل هذه جزء فقط من قوتهم الخارجية. فهي تشمل كذلك كل ما يحيط بالساحر من خدام وأعوان، يتبعون أوامره، وينفذون مخططاته الإفسادية في كل مكان، فيرسل جيوشه لتنفيذ سحر ما، وآخرين للاستيلاء على مملكة من ممالك الجن، وآخرين لأسر جماعة من الجن المسلم، فحياتهم اليومية مليئة بالعمل والحروب، إلى جانب التعذيب والمهانة، بذنب أو بدون أي ذنب، والأحكام جائرة ضد كل من يذنب. وهذا هو نهج إبليس، وكل السحرة على شاكلته وعلى نفسه المنهاج الشيطاني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
إنَّ إبليسَ يضَعُ عرشَه على الماءِ؛ ثمَّ يبعثُ سراياهُ، فأدناهم منهُ منزلةً، أعظمُهم فتنةً. يجيءُ أحدُهم فيقولُ: فعلتُ كذا وَكذا .. فيقولُ: ما صنعتَ شيئًا). قال:
(ثمَّ يجيءُ أحدُهم فيقولُ: ما ترَكتُه حتَّى فرَّقتُ بينَه وبينَ امرأتِه). قال: (
فيدنيهِ منهُ، ويقولُ: نِعمَ أنتَ)