المخصيون والمجبوبون وتغيير خلق الله: الراهب مجرد شيطان متأله، أي يدعي الألوهية فيضاهي الله تعالى، حيث يستغني الراهب عن ممارسة الجنس، رغم أن الشهوة مركبة فيه كجني، ولكنه يدافع شهوته ويتحكم في غريزته، وبهذا الفعل الكفري يزداد قوة سحرية. وبخلاف هذا فهناك “المخصي” وهو من سلت خصيتاه، أي استئصلتا، أو “المجبوب” كما في لسان العرب “والـمَجْبُوبُ الخَصِيُّ الذي قد اسْتُؤْصِلَ ذكَره وخُصْياه”، ليمتنع مرغما عن مجامعة النساء للأبد. وفي الحديث أنَّ رجلًا كان يُتَّهم بأمِّ ولدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لعليِّ: (اذهبْ فأضربْ عُنُقَه). فأتاه عليٌّ فإذا هو في ركي يتبرَّدُ فيها. فقال له عليٌّ: اخرجْ . فناوله يدَه فأخرجه. فإذا هو مجبوبٌ ليس له ذَكرٌ. فكفَّ عليٌّ عنه. ثم أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ! إنه لَمجبوبٌ، ما له ذكر. ()
ومنهم من يخصي نفسه بإرادته، كممارسة طقوسية دينية، أو ما يطلق عليه الإخصاء الذاتي self-castration، وهذا لا يمنع أن البعض يخلق خصيا. والإخصاء فعل ينطوي على تغيير لخلق الله تبارك وتعالى، وهذا اتباعا لأمر الشيطان، وموالاة له، وعاقبته الخسران، قال تعالى: (وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا) [النساء: 119]. لذلك فالإخصاة سنة شيطانية سرت في عالم شياطين الجن قبل أن تنتقل إلى البشر. فالإخصاء هيئة من الرهبنة، مع الفارق الكبير بين الراهب من الشياطين الذي يمتنع بإرادته عن الاستجابة لغريزته وشهوته الجنسية، مع ما له من فحولة كاملة، وقدرته على المعاشرة الجنسية، وبين الخصيان Eunuchs من الشياطين، الذين يفقدون شهوتهم وقدرتهم الجنسية تماما وإلى الأبد. إذن فالإخصاء معصية لله تعالى يتقرب بها بعض الشياطين لسحرة الجن، ويتحولون إلى ممارسة الشذوذ الجنسي، وإتيان فعل قوم لوط.
فعند اليهود في كتابهم فضل الخصيان على البنين والبنات: (وَلاَ يَقُلِ الْخَصِيُّ: هَا أَنَا شَجَرَةٌ يَابِسَةٌ * لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِلْخِصْيَانِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ سُبُوتِي، وَيَخْتَارُونَ مَا يَسُرُّنِي، وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي * إِنِّي أُعْطِيهِمْ فِي بَيْتِي وَفِي أَسْوَارِي نُصُبًا وَاسْمًا أَفْضَلَ مِنَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ. أُعْطِيهِمِ اسْمًا أَبَدِيًّا لاَ يَنْقَطِعُ) [أشعياء: 55/ 3؛ 5].
أما عند النصارى نص كتابي يثبت الإخصاء من أجل ملكوت السماوات، يقول: (فَقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ الْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هذَا الْكَلاَمَ بَلِ الَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُم * لأَنَّهُ يُوجَدُ خِصْيَانٌ وُلِدُوا هكَذَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَاهُمُ النَّاسُ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ) [متى: 18/ 11، 12].
أما في الإسلام فمحرم الإخصاء، لأنه تحريم لما أحل الله عز وجل، قال عبد الله بن مسعود: “كنا نَغزو معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وليس معَنا نساءٌ، فقُلْنا: ألا نَختَصيَ؟ فنهانا عن ذلك، فرَخَّص لنا بعدَ ذلك أن نتزَوَّجَ المرأةَ بالثَّوبِ، ثم قرَأ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ) [المائدة: 87]”. () وقد ورد أنَّ عثمانَ بنَ مظعونٍ أرادَ أن يَخْتَصِيَ ويَسيحَ في الأرضِ، فقال لهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (أليسَ لكَ فيَّ أُسوةٌ حسنةٌ؟! فأنا آتِي النساءَ، وآكلُ اللحمَ، وأصومُ وأُفطرُ، إنَّ خِصَاءَ أمتي الصيامُ، وليسَ من أمتي من خَصَى، أو اخْتَصَى). ()
رغم هذا التحريم إلا أننا نلاحظ وجود المخصيين في الحضارة الإسلامية على مدار عصورها، ولكن تتواجد هذه الطائفة وتنحصر في حدود الرقيق والعبيد فقط، ولكن البحث العلمي لم يصل إلى دراسة تحدد أسباب إخصاء هذه الطائفة من العبيد، وإنما قيل بأنه تم استرقاقهم وهم مخصيين من بلادهم، أو أنهم مسلمون تعرضوا للاعتداء عليهم وإخصائهم. لكن لم تناقش الأبحاث المتوفرة قيام النخاسين بإخصاء العبيد بعد استرقاقهم من إفريقيا، حيث كان المخصيين يختلطون بالنساء من سيدات البيوت، وإماء وجواري داخل قصور الأثرياء وعلية القوم، فلا يخشى منهم على نساءهم لانعدام شهوتهم، ومشروعية مخالطتهم النساء محل نظر، خاصة مع انتشار الشذوذ الجنسي بين الإماء والجواري. وفي العصور الحديثة كان يطلق على العبيد المخصيين لقب “أغوات”، إلا أن الكلمة كان لها استخدامات عديدة، ولكن غلبت على الخصيان كما ورد في كتاب بعنوان (الأغوات دراسة لأغوات المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريفين) يقول المعدون: وكذلك كانت تطلق أيضا على الخصيان الخادمين في القصر ويرأسهم أغا أبيض أو أسود، وعلى الخصيان الواقفين على خدمة السلطان، وعلى الأميرات. ولهذا فإن الخصيان المعينين من قبل المسؤولين والطبقات العليا أصبحوا يعرفون عادة بلفظ “حريم آغاسي” أو “خادم أغاسي” حتى أن الكلمة أصبحت ربنا تعني “خصي” فقط. أما في الحجاز وفي مكة المكرمة والمدينة المنورة بالذات فإن كلمة “الأغوات” تطلق على الخصيان الذين يقومون بوظائف خاصة في خدمة الحرمين الشريفين حتى أصبحت هذه الكلمة علما عليهم. ولعل الحجازيون أخذوا الكلمة عن الأتراك وأطلقوها لى خدام المسجد لما لهم من سلطة ونفوذ. وربما أطلق الأتراك هذا اللفظ عليهم لأنهم في رتبهم يتبعون اثنين من الأغوات هما شيخ الحرم ونائبه الذين كانا يتم تعينهما من استانبول. والاحتمال الثالث أن اللفظ رغم استعمالاته الكثيرة اقتصر على معنى الخصي” (وهي مستعملة كذلك أحيانا بهذا المعنى في اللغة الفارسية). ولعل الكلمة أطلقت على أغوات الحرم لهذه الأسباب مجتمعة. وخدام الروضة لا يطلق عليهم إلا لفظ الأغوات” وكأنه علم عليهم بالغلبة ولكن يبدو أن لفظ “الأغوات” لفظة حديثة فقد كانوا يعرفون قبل ذلك بـ “الطواشي” أو “الطواشية” وما تزال هذه الكلمة مستعملة أحيانا حتى اليوم إلى جانب لفظ “الأغوات”. وطواشي، أصلا من وظائف الخدام في عصر المماليك، وكانت لهم وظائف مختلفة فكان منهم البوابون والسقاؤون … يروى أن معاوبة بن أبي رضي الله عنه كان أول من استخدم الخصيان لخدمة الكعبة. ويروى أنهم كانوا عبيدا أرقاء، وليسوا خصيانا، وأن ابنه يزيد هو أول من اتخذ الخصيان. وفي رواية أخرى أن جعفر المنصور هو الذي فعل ذلك.
إن كان الإخصاء فيه تغيير لخلق الله تعالى، إلا أن الجن لهم القدرة على التصور في صورة أي مخلوق آخر، والشياطين تلجأ عادة لتغيير صورها، لأن الشيطان المتصور يكتسب نفس خصائص الصورة التي تشكل فيها، فإن تصور الشيطان في صورة “جمل” وهو أشد ما يكون من الشياطين، اكتسب نفس خصائصه من القوة والبطش والجلد، أو إن تصور في صورة “تمساح” اكتسب نفس قدراته كحيوان برمائي، فالتصور يكسبه قدرات ليست فيه، مما يجعله مؤهلا للقيام بالتكاليف المطلوب منه تنفيذها. فمن بعد أن يكون الجني سوي الخلقة، فإنه يغير خلق الله بتغيير صورته، وهذا يتم طاعة لأمر الشيطان، ويدخل في خدمة السحر على صورته الجديدة. وبالفعل يرى المريض في الكشف السمعي والبصري يقظة أو مناما الشياطين تهاجمه في صورة حيوانات مختلفة، كحيات أو كلاب أو خنازير .. إلخ لكن ما يعنينا ذكره من الحيوانات ما له علاقة وطيدة بالإخصاء والذي يترتب عليه ممارسة الشذوذ الجنسي أو المثلية الجنسية Homosexuality.
فإن كان الجنس له حيثيته ومكانته في عالم سحرة الجن، فالشذوذ الجنسي له وضعه الخاص في تقويتهم، كمعصية كبرى، تزيد من قوة الشيطان، وتكسبه مزيدا من قرائن المعاصي ذوي القوة. لذلك يتصور بعض الشياطين في صور حيوانية شتى، بحسب ما لدى هذا الحيوان من خواص جنسية، فمنهم حيوانات مسعورة جنسيا، كما في حيوان الغوريلا، ومنهم حيوانات شاذة جنسيا، كالقرود والنسانيس، بينما هناك من الحيوانات ما لا غيرة له، كالخنزير مثلا. لذلك يرى المريض الشياطين أثناء الجلسات، أو في منامه في صور حيوانات مختلفة، وكل حيوان له خصائصه المميزة، وقدراته التي يتفرد بها، ولكل نوع منهم مراكز قوته، ونقاط ضعفه.