هناك خلط شائع حول استخدام كلمة “رائحة” وهي لفظ عام، يشمل الطيب والخبيث من الروائح، فنقول؛ رائحة الورد، أو رائحة الغائط، وكلمة “عطر” وهي لفظ خاص بالطيب من الروائح، فنقول عطر المسك، أو الريحان، أو الياسمين. يقول بن منظور: “والرائحةُ النسيم طيِّباً كان أَو نَتْناً”. () أما عن العطر فيقول: “العِطْرُ: اسم جامع للطِّيب، والجمع عُطورٌ. والعطّار: بائعُه، وحِرْفَتُه العِطَارةُ”. () قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَثَلُ الجليسِ الصَّالحِ والسَّوءِ، كحاملِ المسكِ ونافخِ الكيرِ، فحاملُ المسكِ: إمَّا أن يُحذِيَكَ، وإمَّا أن تبتاعَ منهُ، وإمَّا أن تجدَ منهُ ريحًا طيِّبةً، ونافخُ الكيرِ: إمَّا أن يحرِقَ ثيابَكَ، وإمَّا أن تجدَ ريحًا خبيثةً). ()
فتتنوع الروائح وتختلف، فمنها الطيب المستحب، ومنها الخبيث المنكر. أما العطور فجميعها طيب، فيتعطر الإنسان بما لا حصر له من أنواع الطيب، وكل يوم يبتكر الجديد من أصناف العطور وأنواعها، لما لها من تأثير نفسي ملموس، سواء فيمن يتعطر بها، أو من يستنشقها من المحيطين به، فللعطور دور كبير في التقارب الإجتماعي بين الناس، وخصوصا في توطيد العلاقة الحميمية بين الزوجين. وكان هذا السبب في تنافس مصنعي العطور لابتكار الجديد من العطور لتناسب كل الأزواق، وتسابق الناس في اقتناء ما يروق لهم من أصناف الطيب والعطور، إما للاستخدام الشخصي، أو كهدايا يتودد الناس بها إلى بعضهم البعض. وليس بالضرورة لكون العطر طيبا أن يحوذ رضى الجميع، ويجذب الآخرين، ويؤثر فيهم، وإنما تختلف أزواق البشر، وتتنوع ميولهم فيما بينهم، فمنهم من يجذبه عطر معين، بينما قد ينفر البعض من عطور قد يراها الآخرين قمة في الجاذبية. فلكل عطر تأثيره الخاص، فلا تستوي ردود فعل الجميع مع كل العطور، بل تختلف وتتابين تباينا كبيرامن شخص إلى الآخر.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وللعطور تأثير نفسي، ومحفز جنسي، حيث يفرز المسك فيرومونات
pheromones قوية، وهي مواد كيميائية قادرة على العمل خارج جسم الفرد، فتؤثر على سلوك المحيطين به. والفيرومونات أنواع عديدة، وما يعنينا منها الفيرومونات الجنسية “الجاذبة جنسيا
sex attractants” فهي تؤثر على سلوك المتلقي، فتجذبه نحو الجنس الآخر، وتحفز أجهزة الجسم. وقد تردد منذ العصور القديمة أن رائحة المسك تعمل كمحفز جنسي ممتاز، ولقد قدمت العلوم الحديثة تفسير ذلك. على الرغم من أن الجدال لا يزال دائرا حول فيرومونات الجنس، إلا أن هناك علماء يعتقدون أن رائحة المسك تماثل رائحة هرمون التستوستيرون، والذي قد يؤدي دور الفورمون في البشر. وهذه الفيرمونات الجنسية تؤثر في الشياطين تماما كما تؤثر في البشر، وفي الحيوانات كذلك، هذا إن لم يكن تأثرهم بها أشد وأقوى، لأن حواس الجن مرهفة جدا.
وبشكل عام؛ تتأثر الجن نفسيا بما يتأثر به البشر من الروائح، هذا إن لم يكن تأثرهم يزيد، وتتأثر الشياطين نفسيا بشكل خاص بالروائح والعطور، خاصة وأن حاسة الشم مقترنة بالتنفس، فلا يمكن للجن حبس أنفاسه أو منع الشم. وتاثرهم هذا سببه رهافة حواسهم، فيتمتعون بحاسة شم قوية جدا، فللجن قدرة خاصة على الانتقال بحواسهم عبر المكان، فرغم بعد المسافات يمكنهم رؤية ما يحدث في مكان آخر، أو يسمعون كلاما يدور داخل حجرة مغلقة، كذلك يمكنهم شم الروائح المختلفة والتمييز بينها، رغم انباعاثها من مكان في أقصى العالم.
عادة لا ينفر الجن مؤمنهم أو كافرهم من العطور والروائح الطيبة، بدليل أن الكفار تحفهم الشياطين وتجتمع عليهم، رغم تطيبهم بأطيب العطور، وتفوح منهم أفخر أصناف الراوئح وأندرها. بل ربما تجذب الروائح الطيبة الشياطين، وتتحرك لها أنفسهم وشهوتهم، لأن الروائح الطيبة تحرك الأنفس وتحفز الشهوات، سواء في الإنس أم الجن، بل ربما يتأثر بها الجن أشد من تأثر الإنس. إذن فللمسك على وجه الخصوص تأثيرات تضر بمصالح الشياطين، لا بطبيعتهم كجن، فيؤثر في مدى قوتهم، وقوتهم تكمن في طاقتهم السحرية، إذن فللمسك تأثير في السحر بشكل أو آخر، وهذا ما يجب أن نتوصل إليه بالبحث والتجربة.
رغم انجذاب الشياطين للعطور، نجد بعض أنواعهم يبغضون المسك على وجه الخصوص، وينفرون من استنشاقه، مع أنه مستخلص طبيعي مستخرج من غدة غزال المسك، وهذا يتضح من ردود فعلهم لاستخدامه أثناء الجلسات العلاجية، لاستفزازهم وكشف حضورهم من عدمه، وأحيانا يفيد في صرفهم من الحضور، هذا وإن كنا غالبا كمعالجين نستخدم المسك المصنع كميئايا، كبديل عن المسك الطبيعي، بسبب فارق السعر الكبير بينهما. من غير المقنع أن تنفر الشياطين من المسك لمجرد أنه أطيب الطيب، وهم خبثاء الأنفس، استنادا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أطيب الطيب المسك)،( ) فهناك مركبات عطرية مبتكرة تضاهي في طيبها رائحة المسك، هذا المفهوم السطحي، نردده تعبيرا منا عن كراهيتنا للشيطان، لكنها في الحقيقة؛ نظرة قاصرة، لمجرد سد ثغرة عجزنا عن وضع تفسيرات مقنعة لعالم مغيب عنا. مثل هذه التفسيرات النمطية لا تصدر من معالج يتصدى للشياطين، ويحتك بكيدهم بشكل مباشر، فلا يقنع بمثل هذه الإجابات التي تدغدغ العواطف، بل عليه أن يتوصل إلى الأسباب الحقيقة التي تتفق والعقل السليم، ولا تعارض الشرع الحنيف، حتى يتمكن من تشخيص الداء، وتوصيف الدواء.
يمكن الاستفادة من العطور في علاج المس والسحر، إذا أحسن المعالج توظيف استخدامها، وبطريقة سليمة تؤثر في الشيطان، فأحيانا يمر بنا في الطريق امرأة تفوح منها رائحة المسك، فنعلم على الفور أنها مصابة بالمس أو السحر، وأنها تتبع نظاما علاجيا، ولكن التطبيق هنا خاطئ، لمخالفته النهي الشرعي عن خروج المرأة متعطرة. هذا بخلاف أن الشياطين لديهم حاسة شم قوية جدا، وتفوق حساسية الشم لدى البشر إلى حد كبير، فلا يلزمنا الاسراف في استخدام المسك، لدرجة أن يشمها من حولنا، إنما تكفينا مجرد قطرة من المسك، غاية في الصغر، فإما أن تدهن بها المرأة قطعة حفاض الدورة الشهرية، وتجعلها في الموضع، أو أن يدهن الرجل بها خصيتيه، هذا إلى جانب أن الإسراف قد يؤذي البشرة الحساسة ويضرها، خاصة وأننا نستخدم المسك الصناعي والمكون من عناصر كيميائيا، كبديل عن (مسك دم الغزال)، لأنه باهظ الثمن، ونادر الوجود.