في ضيافة الحاخامات
للسحر الأسود خريطة في المغرب فأباطرته يتوزعون بمناطق بعينها، حسب أنواع السحر التي يحترفونها إذا كان "الفقها" الذين يبرعون في السحر الأسود يستوطنون القرى النائية والمداشر البعيدة، فهناك سحرة مغاربة من نوع خاص يقيمون داخل أرقى أحياء المدن الكبرى ويوجدون في المناطق المأهولة باليهود المغاربة أساسا، والأكثر من ذلك أنهم يتربعون على هرم السلطة الدينية لليهود في المغرب : إنهم الحكام الحاخامات. "أوال" اقتفت أثر أشهر السحرة الحاخامات اليهود في البيضاء والصويرة، عاصمة اليهود المغاربة إنهما الساحران الشهيران "أهايون لازار إيكي" و"حاييم أزلغوط".
في قلب الدار البيضاء، وتحديدا بشارع المسيرة الخضراء بالمعاريف، وبالضبط قرب مقر الهلال الأحمر. توجد شقة الساحر اليهودي "اوهايون" هنا يقيم منذ سنوات ويستقبل زبناءه يوميا باستثناء ليلة الجمعة ويوم السبت حيث يتزعم فيهما قد اسات "شباط" في المعبد اليهودي "السيناغوغ" بالبيضاء.
الوصول إلى منزله سهل للغاية ، جميع سكان هذا الحي الراقي يعرفون "اوهايون" الذي يثير وجوده بتلك العمارة الهادئة صخبا غير عادي. بينما كنا نهم بدخول العمارة صندوق بريد كتب فيه الساحر اليهودي اسمه بالفرنسية توجد شقته بالطابق الأول، هي أشبه بعيادة بابها مفتوح بينما علقت به عبارة تسترعي الانتباه والدهشة "الحاكم الحاخام" أسفلها اسمه بالفرنسية مرة أخرى. رائحة بخور غريبة ومختلفة تنبعث من شقة هذا الساحر اليهودي، أول ما يطالعك عند الباب سنجاب محنط وضع فوق خزانة كبيرة. بجانبها كراسي انتظار جلست فيها امرأتان وشاب، فوق الكراسي علقت صور لرجال دين يهود كتبت عليها عبارات باللغة العبرية . شيء من الجلبة يصدر من داخل الشقة التي استغل "اوهايون" كل شبر فيها. عند الباب أيضا يجلس أحد مساعدي الحاخام، وهو الذي حال بيننا وبين الدخول "يجب أن تتصل بالحاخام حتى تأخذ موعدا.. خذ هذا هو رقم هاتفه المحمول..، قال لنا هذا المساعد وهو ينهمك في قضم "ساندويتش شوارما" وعينه تحدق بالباب. ربطنا الاتصال بـ"الحاكم الحاخام" لحجز موعد معه. لم يجب إلا بعد معاودة الاتصال فمن عادته أنه لا يجيب لأول مرة حسب ما أوضحه مساعده، "اعد الاتصال.. سيجيبك بالتأكيد" يستطرد المساعد .
أعدنا الاتصال فأجاب الحاخام:
لو من معي..
أنا شاب أريد مقابلتك
من الذي أرسلك؟
أخذت رقم هاتفك من عند مساعدك
عندك مشكل؟
نعم
أين أنت الآن؟
بالقرب من شقتك
عد إلي غدا.
كانت له نبرة غريبة، الكلمات الدارجة استعصت شيئا ما في حلقه، فعوضتها أخرى بعبرية غير مفهومة.
عندما رجعنا إليه كان باب شقته مغلقا. أتصلنا به ثانية فأخبرنا :"أعتذر،يمكنك أن تأتي بعد العيد فقد سافرت لحضور مراسيم دينية. المشكل خاص بك؟ عد غلي بعد العيد إن شاء الله".
لك يكن الحاكم الحاخام ساحرا عاديا، حسب ما يكشفه أحد جيرانه الذين التقتهم "أوال" يمكن للحاخام أن يتقاضى مبالغ كبيرة خصوصا أن زبناءه من الميسورين. لكنه لا يشترط أحيانا مالا مقابل ما يقوم به، ففي بعض المرات يقوم بأعمال سحر بالمجان، كما أنه يمكن أن يسلم لزبنائه نقودا إن كانوا معوزين يقصد وراء فعل الخير لا غير".
فعل الخير تطلب من "الحاكم الحاخام" تعقب خيوط السحر الأسود الخاص باليهود، والذي يسمى بسحر "الكبالا" هذا النوع من السحر يوجد في ثاني كتاب مقدس عند اليهود، وهو "التلموذ" الذي يعد بمثابة الشريعة التطبيقية للديانة اليهودية.
هذا الأمر يبرر براعة اليهود المغاربة في السحر، واحتراف الحاخامات وهم في الأصل رجال دين، للسحر الأسود و"الكبالا"
يؤمن السحرة اليهود المغاربة مثل غيرهم من اليهود بأن "الكبالا" هي كلمة سرية أوحى الله بها إلى النبي موسى الذي أخبر بها أخاه هارون قبل أن تشيع بين الأحبار اليهود وتتحول إلى مذهب خاص يعتلي قمة غرابة السحر الأسود.
تعلم هذا النوع من السحر تطلب تبدأ من طبقة "أهايون" التدرج عبر عشر طبقات تبدأ من طبقة "إنصوف أور" والتي تعني التاج بالعبرية، إلى طبقة الملكوت التي يشاع لديهم أنها ترتقي بالساحر من سابع أرض إلى سابع سماء.
على هذه الخطى سار ساحر آخر بمدينة الصويرة وهو أيضا حاخام ويدعى"حاييم أزلغوط" هذا الحاخام عمره السبعين سنة يعتلي صدارة السحرة اليهود في المغرب والعالم بأسره، إذ تأتيه أفواج من المغاربة المسلمين واليهود وأجانب من إسرائيل ودول أخرى للتبرك بقدراته الخارقة كما يقولون. "المكانة التي يحظى بها حاييم لدى المغاربة وأهل الصويرة بالأساس وصلت إلى درجة تقديسه وعبادته"، يقول حسن أحد سكان مدينة الرياح العارفين بخبايا اليهود المغاربة هناك.
برنامج الحاخام "حاييم" اليومي يتوزع على الاهتمام بالمقابر والمعابد اليهودية بهذه المدينة الساحلية الصغيرة،واستقبال الزبناء الذي يفدون عليه من عدة مناطق "يكثر زبناؤه خلال مهرجان كناوة فهناك أشخاص يجعلونه في الرتبة الثانية ضمن قائمة انشغالاتهم حينما يأتون إلى المهرجان. شخصيا التقيت امرأة وابنتها قدمتا، الصيف الماضي، من الدار البيضاء وبالضبط من حي بوركون من أجل زيارة الحاخام حاييم ، يروي إبراهيم وهو مساعد سابق لهذا الساحر اليهودي.
تتراوح المبالغ المالية التي يتقاضاها "حاييم" ما بين 100 و2000 درهم حسب سخاء الزبون، "لا يشترط مبلغا معينا، يمكن أن يأخذ مائة أو مائتي درهم، أو أكثر من ذلك بكثير"، يردف إبراهيم في اتصال مع "أوال".
رفقة إبراهيم لهذا الساحر اليهودي جعلته يطلع على جميع أسراره وعملياته الخاصة، بما فيها الأكثر إثارة للدهشة والاستغراب . "من الأعمال المثيرة التي يقوم بها حاييم هي أنه يشترط على نساء إحضار مني يهودي للقيام بعمل السحر، وعندما تتفاجأ المرأة يعرض عليها ممارسة الجنس معه حتى تحصل على منيه ويتقاضى مقابل هذا المني مبلغا ماليا أي أنه يبيع منيه"، يحكي إبراهيم وقد زاحمت ضحكة جمله.
العمانيون وزعماء "الفودو"
مملكة السحر الأسود في المغرب تتوسع لتستقبل أباطرة آخرين هؤلاء يحظون بوزن خاص في عدة مدن، أبرزها الدار البيضاء كما يتحرون في عملهم السرية التامة، يتعلق الأمر بسحرة أجانب أضحوا يزاحمون السحرة المغاربة، المسلمين واليهود على حد السواء.
من بين هؤلاء السحرة مشعوذ عماني ظل يشتغل بشقته بابن مسيك بالبيضاء لأزيد من سنتين قبل أن تلقي عليه عناصر الأمن التابعين للدائرة الرابعة القبض بعدما شاعت أخباره ووصل إلى حد تقدم زبناء بشكايات تتهمه بالنصب عليهم وسلبهم مبالغ مالية كبيرة.
حدث استثنائي هو الذي أربك حسابات هذا الساحر العماني وحكم على نشاطه في المغرب بالإعدام. كان ذلك قبل ستة أشهر وهو تاريخ إلقاء القبض عليه، أما المشكل فأثاره زبون إماراتي سمع بقدرات هذا العماني الخارقة وقدم إليه من الإمارات العربية المتحدة. اكترى هذا الإماراتي شقة بالدار البيضاء وظل يتردد على الساحر العماني ويغدق عليه أموالا طائلة إلى أن يئس من تحقيق مسعاه، ما دفعه إلى إخطار مصالح الأمن التي ألقت عليه القبض مباشرة بعد تقديم الزبون للشكاية. غالبا ما تنتهي مغامرات السحرة عند أعتاب "الكوميساريات" والمحاكم، هذا ما يحصل تحديدا مع أفارقة يحترفون بدرهم السحر الأسود بالمغرب وهو ما يطلقون عليه "الفودو".
يصنف "الفودو" ضمن أخطر أنواع السحر الأسود في بلادنا خاصة في المدن الكبرى مراكز سحرة "الفودو" في الدار البيضاء حسب ما كشفه مسؤول أمني في مصلحة الشرطة القضائية بولاية أمن العاصمة الاقتصادية، تتوزع على الأحياء التي يقيم بها أفارقة من دول جنوب الصحراء بشكل كبير، وفي مقدمتها حي الألفة والفردوس بالحي الحسني وحي بوركون "شهد هذا الأخير في الأسبوع الأول من نونبر تفكيك عصابة للسحر يتزعمها ماليون بعدما تقدم ثري مغربي بشكاية يتهمهم فيها بالنصب عليه في مبلغ 23 مليون سنتيم ، يقول المسؤول الأمني، قبل أن يردف "جميع الدوائر الأمنية بالبيضاء تعج بهذه القضايا لكن القضايا الكبرى منها هي التي تصل إلينا بالشرطة الولائية".
سبب الاستنفار الأمني ضد السحرة الأفارقة هو ما يروج بأن هذا النوع من السحر هو الأخطر كما أن تأثيراته الصحية قوية للغاية خصوصا إذا تحرى السحرة في جميع الشقق التي نداهمها. هذه الأدوات تتجلى في دمى وصور وبعض المحاليل الغريبة"، يكشف المسؤول الأمني. يعتمد سحرة "الفودو" علىى الدمى لاعتقادهم بقدرتها على التأثير في الشخص الذي يرغب الزبون في سحره عن طريقها. يبدأ الأمر بإحداث المقصود بعمل السحر، كما يعتقدون ثم يبدأ الساحر في وخز مكان القلب بإبرة حادة ما يؤدي إلى إحداث آلام فظيعة للشخص المسحور على الفور.
أما المحاليل التي يعثر عليها في شقق هؤلاء السحرة فيسمونها "ماسان" ويعتقدون أن تناولها يحدجث مشاكل صحية ونفسية للمسحورين.
القنينة الواحدة من هذا السائل تباع كما أوضح المسؤول الأمني، بمقابل 5 آلاف درهم على أقل تقدير.
شغف الزبناء الأثرياء بسحر "الفودو" يدفع بعضهم إلى امتشاق عباب المغامرة والانتقال إلى دول إفريقية من أجل القيام بهذه الأعمال السحرية.
يتبع